بين مقاعد الدراسة وسوق العمل: تتسع الفجوة في وجه الشباب الأردني

العضو ريان الدباس من قطاع الطاقة في الجيل الثالث تكتب مقال بعنوان :
بين مقاعد الدراسة وسوق العمل: تتسع الفجوة في وجه الشباب الأردني
يخرج الطالب الأردني من جامعته حاملًا شهادتهُ الأكاديمية ويتوقع أن يجد فرص عمل متاحة تنتظره والذي طالما كان يحلُم بها ولكن، سرعان ما يواجهُ الواقع المرير: أن السوق لا يملك له مكانًا بين طياته، حتى وإن كان يحمل من المؤهلات ما يعتقدُ بأنها كفيلةُ بإطلاقهِ نحو مستقبل مهني مشرق هذه الحيرة تصاحب الخريج الأردني اليوم يومًا بعد يوم، فبين ما تعلمهُ في الجامعات وبين ما يطلبهُ أرباب العمل، تكمنُ الفجوة العميقة التي باتت تؤثرُ على جيلٍ كاملٍ من الشباب.
فما السبب؟ ولماذا نجد هذه الفجوة تتسع أكثر وأكثر في وقتنا الحالي؟
الفجوة التعليمية: نظريةٌ تبتعدُ عن الواقع
ووفقًا لتقرير صادر عن منتدى الاستراتيجيات الأردني، فإن حوالي 35% من الوظائف في السوق الأردني تتطلب مهارات تقنية أو مهنية، في حين أن أقل من 12% من الطلبة الأردنيين يتجهون للتعليم المهني أو التطبيقي. هذا الاختلال في التوازن يجعل من الصعب تلبية احتياجات السوق، رغم وجود آلاف الخريجين الباحثين عن عمل كل عام.
المشكلة اليوم لا تقتصر فقط على نوعية التخصُصات، بل تمتد إلى طبيعة التعليم الجامعي ذاته فالكثير من المناهج تُركز على الجوانبِ النظرية، وتغفل عن المهارات العملية، والتدريب، والاحتكاك الواقعي بسوق العمل. وبحسب دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية (ILO)، فإن ما يزيد عن 60% من أصحاب الأعمال في الأردن يجدون أن الخريجين يفتقرون إلى المهارات الأساسية اللازمة للوظائف التي يطرحونها، مثل مهارات التواصل، العمل الجماعي، واستخدام التكنولوجيا وايضا القدرة على حل المشكلات بشكل سريع.
ومن ناحية أخرى، فإن ثقافة الوظيفة التقليدية –وخاصة الحكومية منها– لا تزال مُهيمنة على طموحاتِ عدد كبير من الطلبة هذا التوجه يعمّق الفجوة، ويقلل من فرص الابتكار وريادة الأعمال.
ما الطريق نحو الجسر؟
لمُعالجة هذه الفجوة، لا بد من عمل مُقاربة شاملة تشمل عدة أطراف: الحكومة، الجامعات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني. ومن أبرز الخطوات المقترحة:
- تحديث المناهج الجامعية بشكل دوري لتتماشى مع المهارات المطلوبة في السوق المحلي والعالمي، وبمشاركة فعلية من مؤسسات القطاع الخاص في تصميم المحتوى التعليمي.
- دمج التدريب العملي والتطبيقي كمكون أساسي في كل التخصصات، وربطه بساعات معتمدة، لضمان جاهزية الطلبة قبل التخرج.
- توسيع التعليم المهني والتقني من خلال توفير برامج حديثة، ودعم ثقافي واجتماعي لهذا النوع من التعليم، الذي يُنظر له للأسف على أنه “أقل شأنًا”.
- تعزيز الإرشاد الوظيفي المبكر في المدارس والجامعات، لمساعدة الطلبة على اختيار التخصصات بناءً على احتياجات السوق، وليس فقط على الرغبات الشخصية أو الضغط المجتمعي.
- تحفيز ريادة الأعمال وتوفير حاضنات أعمال وتمويل صغير للخريجين، مما قد يحول جزءًا من الطاقات المعطّلة إلى مشاريع إنتاجية.
خطوة نحو التغيير: دمج مناهج BTEC في التعليم الأردني
ضمن مساعي وزارة التربية والتعليم لتطوير منظومة التعليم وربطها بشكل أكثر فاعلية مع متطلبات سوق العمل، بدأت الوزارة بتنفيذ شراكة مع Pearson العالمية، تهدف إلى دمج مناهج BTEC المهنية في المدارس وقد شهد هذا التعاون تقدمًا ملحوظًا خلال العام الأول من تطبيقه، ما يعكس جدية التوجه نحو تعزيز التعليم المهني والتقني.
ويُعد هذا التحرك خطوة واعدة وتستدعي التفاؤل نحو بناء نظام تعليمي يُعلي من قيمة المهارات التطبيقية، ويمنح الطلبة فُرصًا حقيقية للتأهيل وفق معايير دولية معتمدة.
والمُلفت في هذه التجربة أن الطلبة وذويهم أبدوا إقبالًا واضحًا على التخصصات المُرتبطة بالتكنولوجيا والهندسة والخدمات، وهو ما يؤكد وجود وعي مُتزايد بأهمية المهارات العملية في رسم مستقبل مهني واعد.
هذه المبادرة، حتى وإن كانت لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تعكس تحولًا نوعيًا في فلسفة التعليم العام في الأردن، وتفتح الباب أمام تطوير سياسات تعليمية أكثر مرونة وواقعية ونأمل من أن تُسهم هذه الخطوات في تقليص الفجوة بين المدرسة وسوق العمل، وتوفير بيئة تعليمية تُمكّن الطلبة من الانطلاق بثقة نحو المستقبل.
خاتمة: فجوة لا بد من أن تُردم
المشكلة بين التعليم وفرص العمل في الأردن ليست مجرد أزمة مؤقتة أو طارئة، بل هي نتيجة لتراكم مشاكل قديمة استمرت لفترة طويلة هذه المشكلة تحتاج إلى حلول عميقة ودائمة فالمبادرات الجديدة، مثل إدخال مناهج BTEC في المدارس، تعتبر خطوات جيدة إلى الأمام وهي تدل على أن هناك وعيًا واهتمامًا متزايدًا بأهمية التعليم الذي يركز على المهن والتطبيق العملي.
ولكن، لا تزال هناك صعوبات وتحديات كبيرة ولا يمكن اعتبار هذه الجهود وحدها كافية لسد الفجوة الكبيرة التي تتسع بين ما يتعلمه الطلاب وما يحتاجه سوق العمل فعليًا فالمستقبل لا يعتمد فقط على الشهادات التي يحصل عليها الشباب، بل يعتمد بشكل أكبر على المهارات التي يمتلكونها وقدرتهم على التكيف مع التغيرات المستمرة، واستعدادهم لتعلم أشياء جديدة دائمًا. وإذا كان الأردن يريد من أن يطور اقتصاده ويستفيد بشكل كامل من قدراتِ شبابه، فعليه أن يستمر في العمل على جعل سياساته التعليمية متوافقة مع الواقع العملي والاقتصادي لأن الطالب اليوم، سواء كان في المدرسة أو الجامعة، هو الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد فلا بُد من أن نُدرك أن استمرار الفجوة بين التعليم وسوق العمل يشكل تحديًا حقيقيًا أمام تحقيق التنمية الشاملة فكل تأخير في معالجتها يعني إهدارًا للموارد البشرية وتفويتًا لفرص اقتصادية كان من الممكن الاستفادة منها وإن الاستثمار في التعليم لا يقتصر على تطوير المناهج أو البنية التحتية، بل يتمثل في بناء منظومة تعليمية تُمكّن الطالب من اكتساب المهارات المطلوبة، وتمنحه الأدوات التي تؤهله للمنافسة في سوق متغير ومتطلب.