تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة تحت شعار أمريكا أولا على اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: دراسة تحليلية متعمقة مع تركيز خاص على الأردن، مصر ولبنان

العضو زكريا عشيبات من لجنة المالية والاستثمار في الجيل الثالث يكتب مقال بعنوان :

تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة تحت شعار أمريكا أولا على اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: دراسة تحليلية متعمقة مع تركيز خاص على الأردن، مصر ولبنان

مقدمة: فلسفة “أمريكا أولاً” والرسوم الجمركية كأداة حماية اقتصادية

مع تبني الإدارة الأمريكية لشعار أمريكا أولا، تم فرض رسوم جمركية جديدة على العديد من المنتجات المستوردة بهدف تقليص العجز التجاري، تعزيز الصناعة الوطنية، وتوفير فرص عمل داخلية. هذه السياسات الحماية لا تؤثر فقط على السوق الأمريكية، بل تمتد تداعياتها إلى الاقتصادات النامية والناشئة، خاصة تلك المرتبطة تجارياً ومالياً بالدولار الأمريكي، بما في ذلك دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أولاً: التأثيرات العامة للرسوم الجمركية الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

1. الانعكاسات على تكلفة الديون الخارجية

تؤدي الرسوم الجمركية الأمريكية إلى تباطؤ في التجارة العالمية وارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، نتيجة لتحول رؤوس الأموال نحو الولايات المتحده كملاذ آمن. هذا يرفع من تكلفة خدمة الديون الخارجية المقوّمة بالدولار على الدول النامية، بما في ذلك دول الشرق الأوسط، التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض الخارجي لتمويل عجز الموازنات العامة ومشاريع البنية التحتية.

وقد كانت هذه السياسة المالية واحدة من أسباب تصاعد القلق في الأسواق، ودفع المستثمرين نحو التحوط واللجوء إلى الملاذات الآمنة.

المفهوم الاقتصادي المرتبط: كلما ارتفع سعر صرف الدولار، زادت كلفة الاقتراض وخدمة الدين على الدول التي تقترض بالدولار، وهو ما يترجم إلى ارتفاع في تكلفة الاقتراض أو العائد على السندات السيادية لهذه الدول.

2. تعاظم العجز في الميزانن التجاري

بسبب الرسوم الجمركية، تتقلص قدرة الدول النامية على التصدير إلى السوق الأمريكية، مما يضغط على صادراتها ويعمق عجز الميزان التجاري لديها. كما أن قوة الدولار ترفع من تكلفة الواردات (ظاهرة تُعرف بـالتضخم المستورد)، مما يضغط على الميزان التجاري ويدفع نحو زيادة الاعتماد على التمويل

ثانياً: التأثيرات التفصيلية على مصر ولبنان

1. مصر

● الديون الخارجية: بلغت الديون الخارجية لمصر حوالي 152.9 مليار دولار أمريكي في نهاية الربع الأول من نهاية العام 2024 وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.

● تدفق الاستثمارات: من شأن التوترات التجارية وزيادة الرسوم أن تقلل من جاذبية الأسواق الناشئة للمستثمرين الأجانب الباحثين عن استقرار في العوائد، مما يدفعهم للعودة إلى السوق الأمريكية. هذا يعني تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، خاصة في القطاعات غير النفطية.

2. لبنان

● الديون الخارجية: لبنان يعاني من أزمة مالية حادة، وديونه الخارجية تتجاوز 40.4 مليار دولار لعام 2023 مع عدم وجود بيانات واضحة وكافية لهذا الملف

● تدفقات العملات الأجنبية: يعتمد لبنان بشكل كبير على تحويلات المغتربين. أي تباطؤ اقتصادي عالمي ناتج عن الحمائية الأمريكية قد يؤثر سلبًا على هذه التحويلات، ويقلل من احتياطاته من العملة الصعبة.

ثالثاً: الأردن: دراسة تفصيلية لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية

1. مؤشرات الاقتصاد الكلي الأردني

● الديون: بلغت حوالي 42.5 مليار دولار أمريكي في عام 2024 و قيمة الديون

● الاحتياطيات الأجنبية: بلغت 21 مليار دولار أمريكي، في نهاية 2024.

● سعر الصرف: الدينار الأردني مربوط بالدولار بسعر ثابت (1 دولار = 0.71 دينار)، مما يجعل تأثيرات قوة الدولار مباشرة على الاقتصاد الأردني.

2. تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأردني

● ارتفاع كلفة الواردات: باعتبار أن الأردن يستورد معظم احتياجاته من المواد الخام والسلع الأساسية بالدولار، فإن ارتفاع الدولار يعني زيادة في كلفة الاستيراد، مما يؤدي إلى التضخم المستورد، وبالتالي زيادة في أسعار السلع والخدمات محليًا.

● تأثير على الميزان التجاري: العجز في الميزان التجاري الأردني يتجاوز 9.6 مليارات دولار لعام 2024. مع تقلص قدرة الأردن على تصدير منتجاته للأسواق العالمية وارتفاع كلفة الواردات، فإن هذا العجز مرشح للتوسع، مما يضغط على ميزان المدفوعات ويؤثر سلبًا على الاحتياطيات الأجنبية.

● تكلفة خدمة الدين العام: نظرًا لأن الدينار مربوط بالدولار، فان ارتفاع الفائدة الأمريكية سيُجبر الأردن على رفع الفائدة المحلية للحفاظ على الربط، مما يرفع من كلفة الاقتراض الداخلي ويزيد من عبء خدمة الدين، سواء الداخلي أو الخارجي ، كما أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مارس 2025 عن تثبيت سعر الفائدة مع ترجيحات بزيادتها لاحقاً خلال العام، تبقى المعادلة النقدية في حالة ترقب

● التأثير على سعر صرف العملة: على الرغم من تثبيت سعر الصرف، فإن استمرار الضغط على الاحتياطيات مع تراجع تدفقات الاستثمار وتحويلات المغتربين قد يهدد قدرة البنك المركزي على الحفاظ على الربط، مما يُمكن أن يثير مخاوف حول استقرار العملة في المدى المتوسط إلا أن البنك المركزي الأردني يتبع سياسة نقدية متماسكة تدعم تحقيق أهدافه الاستراتيجية، بما يضمن الحفاظ على استقرار الدينار وقوته الشرائية في مواجهة التحديات الخارجية.

● التأثير الاجتماعي: ارتفاع الأسعار مع ركود الأجور وزيادة كلفة المعيشة يمكن أن يؤدي إلى تراجع في القوة الشرائية، وزيادة نسب الفقر والبطالة، مما يشكل تهديدًا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

في ضوء التحولات التي فرضتها الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة تحت شعار أمريكا أولاً، يتضح أن الاقتصادات النامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة الأردن ومصر ولبنان، تواجه تحديات متصاعدة تتعلق بارتفاع تكلفة الديون، وزيادة الضغوط على ميزان المدفوعات، وضعف تدفقات الاستثمار الأجنبي. هذه الرسوم، وما يصاحبها من قوة للدولارر الأمريكي وتقيد لحركة التجارة العالمية، تُحدث آثاراً مباشرة وغير مباشرة على الاستقرار المالي والنقدي في هذه الدول، بما يهدد بتفاقم العجز المالي والتجاري ويدفع نحو تضخم مستورد يرهق المواطن.كنا حدث في عملية الدولرة في 1971 في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وتصدير التضخم إلى دول العالم.

تتطلب مواجهة هذه التداعيات اعتماد سياسات اقتصادية مرنة واستباقية، تتضمن تنويع مصادر التمويل، وتعزيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات، إلى جانب دعم القطاعات التصديرية غير التقليدية. كما يبرز أهمية التعاون الإقليمي والدولي لإعادة صياغة منظومة تجارية ومالية أكثر عدالة واستقراراً، تحمي مصالح الدول النامية وتُخفف من انكشافها على تقلبات الاقتصاد العالمي وتوجهات القوى الكبرى.

زكريا عادل العشيبات

لجنة المالية والاستثمار – الجيل الثالث